fatmah المدير العام
عدد الرسائل : 2661 البلد : السعودية رقم العضوية : 11 تاريخ التسجيل : 02/05/2008
| موضوع: المدى الثقافي: جغرافيا الفكر.. نظريات اجتماعية أمريكية متناقضة .. الاختلافات شديدة ولا يمكن ردم الهوة بين الشرق والغرب بالعواطف الجمعة 07 أغسطس 2009, 7:26 am | |
| صلاح حسن يشرح عالم الاجتماع الأمريكي ريتشارد أي نيسبت في كتابه «جغرافيا الفكر» النظرية التي تجعل من التقاء الشرق بالغرب مسألة مستحيلة دون أن يقول ذلك صراحة من خلال عدد من الدراسات الميدانية التي أجراها على مجموعات كبيرة متحدرة من أمريكا وآسيا، برغم أن مادته الأساسية تتمحور حول أمثلة بين الصين واليونان القديمتين. يتناول الكتاب ثقافة المجتمعين الصيني واليوناني منذ نشوء المدينة – الدولة لغاية ألان ويعود لأسباب جوهرية في بعض الأحيان إلى ما قبل نشوء المدينة – الدولة لتوكيد نظريته الاجتماعية التي تحسب الفارق العريض الذي يجعل من هذين المجتمعين نقيضين غير قابلين للتقارب.
لكنه كما قلنا في البداية لا يقرر أي شيء بشأن هذه الاختلافات مع إن الواضح من الأمثلة التي يطرحها من خلال دراساته الميدانية تقول أن التقاء هاتين الثقافتين غير ممكن لان الهوة أعمق من أن تردم بالعواطف. يدعم نيسبت في كتابه الصادر عن عالم المعرفة الكويتية وبترجمة شوقي جلال آراءه هذه بمجموعة من الأدلة غير قابلة للدحض خصوصا للقارئ العربي والأسيوي من خلال تحليل سلوك المجموعات التي كانت محور هذه الدراسة وهم طلاب من اليونان والصين وكوريا مقابل مجموعات من أوربا الغربية وأمريكا. التناقض الذي تظهره هذه الدراسات الميدانية يوحي بأن هناك عالمين شديدي الاختلاف في طريقة التفكير والرؤية إلى العالم. ففي الوقت الذي يركز فيه الشرقيون على مبدأ التكافل والعمل الجماعي، يؤكد الغربيون وبالتحديد الأمريكان مبدأ الاستقلالية. في الثقافة الشرقية ليست هناك فردانية بقدر ما هناك مجتمع يذوب الفرد فيه بوصفه حلقة مكملة لا يمكن له أن يكون خارجها، في حين تقدم الثقافة الغربية الفرد بوصفه ذاتا مستقلة تستطيع أن تحدد الموضوعات التي تختارها وان تؤثر بقراراتها المستقلة على حياة المجتمع بشكل عام. من الأمثلة المهمة التي يقدمها المؤلف حول الأطفال في هذين المجتمعين إن الطفل في الثقافة الغربية وحال ولادته يوضع في مكان خاص أو حتى في غرفة منفصلة، في حين يحاط الطفل المولود حديثا في المجتمعات الشرقية بأفراد الأسرة كلها ويبقى تحت الرعاية طيلة الوقت. وعندما يكبر الطفل يمكنه في الثقافة الغربية أن يختار من اللعب ما يريد دون قسر من الوالدين، على العكس من ذلك فأن الأم الشرقية تقوم باختيار كل ما من شأنه ان يكون صالحا له دون أن يكون هناك أي خيار لطفلها. الذات الشرقية مندمجة بالمجموع والذات الغربية مستقلة منذ البداية والنجاحات التي يحققها الشرقي ليست له بل للمجتمع، «في عالمنا العربي يحسب ذلك للعشيرة أو القبيلة» أما النجاحات التي يحققها الغربي فتسجل في أرشيفه الخاص. يحفل الكتاب بأمثلة طريفة وأحيانا بأسئلة محيرة لكل الأطراف الموضوعة تحت الاختبار لأنها تتوجه إلى موضوعات غير مفكر بها في مثل هذه الثقافات أو على اقل تقدير مشوشة ولا يمكن الإجابة عليها بنعم أو لا لكن النتائج تبقى هي الأخرى غير قابلة للتصنيف لان النسب تبدو متفاوتة مقارنة بالأسئلة التي تبدو تقليدية لطرف معين ومحيرة للطرف الأخر. يستفيد المؤلف من هذه المفارقات في تصنيف بعض الأفكار المحددة من اجل رصد الانعطافات التي تمر بها هذه المجتمعات. الجدل في المجتمعات الشرقية غير موجود لأنه بذلك يضمن ويحافظ على التناغم بين المجموعات البشرية. يضرب المؤلف مثلا حول ذلك حينما حاول صديق ياباني له إن يقيم حفلا على الطريقة الأمريكية ودعا له ضيوفا يابانيين فقط ابدوا سعادة كبيرة بالطعام والشراب لكن الحفل فشل فشلا ذريعا بسبب افتقاره إلى الآراء والى الراغبين في الدفاع عنها. يحرص أبناء شرق أسيا على التوافق مع مشاعر الآخرين ومشاركتهم هذه المشاعر ويكابدون من اجل التناغم بين الناس. من يطرح رأيا في مثل هذه المجتمعات إما إن يقبل به على عواهنه أو يتم تجاهله بشكل صامت بدل النقاش الذي قد يؤدي إلى تفكيك بنية العلاقات وبذلك يختفي الجدل بوصفه طريقة للتحليل من اجل الوصول إلى حقيقة معينة. على العكس من ذلك وفي فترة مبكرة من حياة الطفل في الثقافة الأوربية والأمريكية يتاح له التعبير عن أرائه مهما كانت مختلفة أو خاطئة لأنهم في النهاية سيقومون بتقويمها عن طريق تعليم الطفل كيفية الدفاع عن أرائه وكيفية تغييرها إذا تطلب الأمر تصحيح معلومة معينة. من المفارقات إن يرفض الآسيوي والياباني بالتحديد فكرة إن الإنسان بإمكانه معالجة البيئة والتأثير فيها ويفترض بدلا من ذلك إن يوفق نفسه معها. الفوارق كما يوضح المؤلف هي نفس – اجتماعية شديدة العمق بين الثقافة الآسيوية والثقافة الغربية. يعيش أبناء شرق أسيا في عالم من التكافل والاعتمادية المتبادلة حيث الذات جزء من كل اكبر ويعيش الغربيون في عالم تكون الذات فيه عنصرا فاعلا وحرا. ألان يناقش علماء الاجتماع نظريتين عن المستقبل شديدتي الاختلاف يوردهما المؤلف لدعم نظريته الخاصة دون إن يبدي انحيازا للنظرية التي تتوافق مع آرائه لكي يبقى موضوعيا ودون إن يفقد صرامته الأكاديمية. النظرية الأولى يتزعمها العالم السياسي فرنسيس فوكوياما وتفترض تلاقي المنظومات العالمية والسياسية والاقتصادية وبالتالي منظومات القيم. في كتابه « نهاية التاريخ « كتب فوكوياما (الرأسمالية والديمقراطية فازتا ولا توجد في الأفق قوى يمكن إن تولد منها إحداث مهمة) إما النظرية الثانية فتتنبأ باستمرار الاختلاف ويتزعمها عالم السياسة صومائيل الذي يرفض نظرية فوكوياما جملة وتفصيلا ويعتقد إن العالم على حافة « صدام حضارات « بين جماعات ثقافية رئيسية من بينها شرق آسيا والإسلام والغرب. هذه القوى محصورة داخل تضاد فيما بينها لا فكاك منه بسبب الاختلافات. | |
|