قال تعالى:
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزواجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَل بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَلوَاتِ وَالأَرْضِ واخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَلِمِينَ} [سورة الروم الآيات 21- 22].
تعريف الجغرافيا الاجتماعية
الجغرافيا الاجتماعية فرع من فروع الجغرافيا البشرية يدرس توزيع المجتمعات الإِنسانية وبيئاتها، ومدى تأثر هذه المجتمعات بالظروف الطبيعية، وعلاقة توزيع الظاهرات الإِجتماعية كالسكان والمدن والقرى بالظروف الجغرافية العامة. تطور الجغرافيا الاجتماعية:
ظهر في كتابات الجغرافيين الإِغريق بعض الاهتمامات بأحوال البلاد الإِجتماعية التي وصفوها وكتبوا عنها، ومن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب "الجو والماء والأقاليم" الذي وضعه هيبوقراط (420 ق. م) حيث أشار إلى الاختلافات بين سكان الأقليم الجبلية الذين يتميزون بالشجاعة وبين سكان السهول الجافة الذين يتصفون بالنحافة وفيهم طبيعة السيادة والإِمارة
وقد أوضح أرسطو في كتابه "السياسة" أن هناك نوعاً من الارتباط بين المناخ وبين طبائع الشعوب.
وواضح من هذين المثالين محاولة الربط بين الإِنسان وبيئته.
وتعد مقدمة ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي أول دراسة على أسس علمية منظمة في الجغرافيا الاجتماعية حيث تكلم فيها عن العمران البشري، وأن الربع الشمالي من الأرض أكثر عمراناً من الربع الجنوبي. وقد أشار كذلك إلى أثر المناخ في طبائع الشعوب وألوان بشرتهم.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي ظهرت كتابات مونتسكيو وهي بحق أعظم ما كُتِبَ بعد مقدمة ابن خلدون، وقد جمع مونتسكيو آراءه في كتابه "روح القوانين" الذي اعتبر فيه أن الإِنسان كائن فرد تقابله قوتان كبيرتان هما الأرض أو التربة، والمناخ، ويرى أن التربة الفقيرة تؤدي إلى قيام حكومة شعبية والتربة الخصبة تؤدي إلى قيام حكومة ارستقراطية، ولم يوضح مونتسكيو كيف يتم ذلك، وفي القرن التاسع عشر الميلادي كانت كتابات رتر Ritter الذي أوضح تأثير الإِنسان في البيئة وبَيَّن أنه لا يقل عن تأثيرها فيه، وأوضح في كتابه "الجغرافيا المقارنة" عند دراسته لقارة أوربا أثر البيئة البحرية في سكانها وأثر السواحل المتعرجة في تاريخها
ومن رواد الجغرافيا الحديثة كذلك "همبولت" الذي اعترف في كتابه "العالم" بأن البيئة تؤثر في الإِنسان، ومن الأمثلة التي استعان بها وتدل على مقدرته العلمية في الاستنتاج ما أشار إليه بالقول: "حقاً أن سماء بلاد العرب الصافية قد استرعت نظر أبنائها وجذبتهم إلى دراسة نجومها وكواكبها وأجرامها".
ولعل "راتزل" من أول الذين وضعوا أساس الجغرافيا البشرية حين نشر مجلدين يحملان هذا العنوان سنة 1891،1882م. ميادين الجغرافيا الاجتماعية
تهتم الجغرافيا الاجتماعية بدراسة أربعة موضوعات رئيسة هي:
أولاً: توزيع السكان على سطح الأرض، وكثافتهم وارتباط ذلك بظروف البيئة الجغرافية وبيان أثر الجذور التاريخية والظروف الاجتماعية.
ثانياً: أساليب الحياة، ويقصد بذلك ما يقوم به السكان من حيث الاستفادة بموارد بيئتهم الطبيعية ويختلف بالطبع أسلوب الحياة في المناطق الباردة عن المناطق الحارة وهناك تداخل بين هذا الموضوع وبين الجغرافيا الاقتصادية.
ثالثاً: تطور المجتمعات البشرية من حرفة الجمع إلى الصيد فالرعي ثم الزراعة والصناعة.
رابعاً: دراسة مظاهر العمران البشري وتجمعه في القرى والمدن ومناقشة الظروف الجغرافية التي ساعدت على نشأة تلك القرى أو المدن.
وتستفيد الجغرافيا الاجتماعية بطبيعة الحال من علمٍ الاجتماع وفروعه المختلفة، كما تستفيد كذلك من علم الاحصاء وخصوصا فيما يتعلق بدراسة السكان وتوزيعهم وكثافتهم.